للأقليات حديث .. مدخل أساسي

11-01-2021

2313 görüntülenme

Dr. Muhammad SAFAR

محمد صفر

وللأقليات حديث .. مدخل أساسي ..

( 1)

لا يخلو الحديث عن الأقليات من مخاوف ومحاذير اشبه بحقل ألغام .. فالمؤسسات الأمنية تنظر بعين الريبة إلى معظم الأنشطة التي ترتبط بالأقليات سواء نظمت من قبل الأقليات نفسها أو نظمتها جهات سياسية أو إعلامية أو حتى مؤسسات بحثية .. وهذه المخاوف عادة ما تنشأ من أن الأقليات أسهل في الاحتواء والتوجيه والاستخدام من قبل جهات ذات نفوذ داخلية كانت أو خارجية ..

وثمة دراسات أشارت إلى قيام أنظمة باحتواء بعض الاقليات في المنطقة .. كالدراسة التى أعدها العميد المتقاعد موشى فرجى ( الإسرائيلي ) وأصدرها مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا (عام 2003). إذ أفردت فصلا خاصا بالتحالف الإسرائيلى مع الأقليات العرقية والطائفية فى العالم العربى، فى المقدمة منهم الأكراد والدروز، والموارنة والجنوبيين فى السودان.

أما مخاوف المؤسسات الأمنية من الأقليات المهاجرة أو العابرة فهي أشد .. إذ أن كثيرا من المهاجرين خصوصا الهجرة الغير منظمة .. من العسير إدارتهم وضبطهم بل وتوفيق أوضاعهم وإدماجهم في المجتمع فقد يطول بهم المقام في بلد المهجر أو الممر فتتشكل أجيال لا تحظى بالتعليم والعمل وفرص الاندماج مما يساهم في خلق بؤر للجريمة والمشكلات يصعب السيطرة عليها لاحقا أو الاستفادة منها في خدمة البلد واقتصاده ونمائه . برغم وجود نماذج ناجحة لدول قامت على المهاجرين كالولايات المتحدة الأمريكية مثلا .. أو حتى بعض البلدان الأوربية كنموذج الأتراك المسلمين في المجتمع الألماني أو بريطانيا المعاصرة .

والمخاوف لا تتوقف عند هذا الحد لكل من يعمل في مجال الأقليات أو يكتب عنها .. بل إن الأقليات نفسها تمثل مصدرا من مصادر الخوف .. إذ أن كثيرا منها لا تحتمل الإشارة إلى حقيقة أعدادها أو وجودها أو تاريخها أو حتى اعتبارها أقلية .. بل ربما يتجاوز الأمر إلى تأليف قصص واساطير لتمجيد أقلية ما تجافي الحقيقة تماما .. مما يعقد للباحث فرصة التعمق والتوغل والتنقيب عن الأسباب والتحديات والمشكلات ..

( 2)

والحديث هنا يشمل الأقليات المستوطنة أو المهاجرة .. الدينية منها أو العرقية أو الإثنية أو حتى السياسية .. وقضاياها تتشابه في احايين كثيرة .. الاندماج والهوية والذوبان والحقوق الثقافية والدستورية والسياسية .. وفي المقابل تجد الأغلبية تعاني من تمرد بعض الاقليات ومطالبها التي تتجاوز حجمها وحدودها واستقوائها بالأخر سواء كان هذا الأخر عاملا دينيا أو دوليا أو إقليميا أو حتى عاملا اقتصاديا وقبليا في أحيان أخر ..

وهذه الأقليات التي هي محط اهتمامنا ودراساتنا ليست باليسيرة .. فمثلا عند الحديث عن الأقليات المسلمة في العالم فحسب .. فإننا نتحدث عما يربو على 300 مليون مسلم يعيشون كأقليات إما في بلدانهم أو في بلدان المهجر .. وهذا يمثل حوالي ثلث الأمة المسلمة .. وقس على ذلك بقية أرقام الأقليات المصنفة على أسس لغوية أو عرقية أو دينية .

( 3 )

وعند الحديث عن الأقليات .. ثمة قضية جوهرية تبرز .. وهي مفهوم الأقلية .. وكيفية تحديد نسبها والاعتبارات العلمية والموضوعية في ذلك والخصائص التي تميزها كأقلية .. وذلك قبل التطرق إلى الآثار المترتبة عن كونها أقلية في مجتمع أو دولة ما .. إذ أننا حتى في ظل النظام الديمقراطي نمارس نوعا من الظلم وفق رؤية الأقليات .. فكيف يحق لـ 50+1 أن يحكموا 49% لمجرد أنهم تقدموا عليهم بنسبة واحدة فقط ..

وقضية المفهوم ذو أهمية كبرى .. إذ بناء على هذا المفهوم نستطيع أن نحدد مدار الاهتمام والحديث وكيفية التعامل فالأقليات على اعتباره العام يشمل كل البشر في هذا الكون .. لكنه من خلال تحديد المفاهيم نستطيع التصنيف ومن ثم الحديث عن كل أقلية على حدة وتحدياتها وواقعها .. وعلى سبيل المثال الأقلية المسلمة نفسها تحتاج لتحديد وتصنيف .. فثمة ما يسمى بأقلية لكنها غالبية تحكمها أقلية مسيحية كما هو الحال في نيجيريا مثلا أو نجد هناك أقليات مسلمة كالعلوية في سوريا يحكمون الغالبية من أهل السنة .. هذا خلافا لما يتعلق بأسباب تشكلها بين أقلية تشكلت من مهاجرين وبقايا دعاة .. وأخرين تشكلوا من عمالة مهاجرة أو من المسلمين الجدد ..

ولعلنا نحاول من خلال سلسلة مقالاتنا هذه عن الأقليات .. أن نقف عند المفاهيم وقفات تأمل وتفكر .. ثم نعرج إلى قضايا الأقليات ومشكلاتها والتحديات التي تواجهها .. مرورا بجوانب تتعلق بأسباب تشكلها وإرهاصاتها ووقوفا عند الأحكام الشرعية والقانونية المتعلقة بالأقليات مع استعراض بعض من نماذج الأقليات تاريخيا ومعاصرة .. في خطوة نحو إثراء هذا الجانب بمقالات علمية يمكن أن تضيف لهذه المكتبة التي تعاني من شح في الكتابات والمصادر والمعلومات والداراسات .. خصوصا ما يتعلق منها بالأقليات المسلمة أو بالأقليات في التاريخ والدولة الإسلامية المعاصرة ..

( 4 )

ومسألة الأقليات لا تنحصر فقط على الجانب السياسي .. بل كان لوجود هذه الأقليات وتشكلها في مجتمعات الهجرة دور كبير في بروز ما سمي بفقه الِأقليات .. وإن اتخذت اسماء متعددة مختلفة كفقه الواقع أو فقه المرحلة والضرورة أحيانا .. وشكلت مجامع فقهية كالمجمع الفقهي الأوروبي بغرض محاولة التوفيق بين الواقع الجديد للجاليات المسلمة وبين دينها وقيمها وثقافتها ومعتقداتها .. فقد أفرز هذا الأمر فقها جديدا مغايرا لما كان يعرف بالتاريخ بدار الحرب ودار الإسلام .. وبات هناك دار هجرة لبلاد الكفر ( إن جاز تقسيم العالم على أساس دار إسلام ودار كفر ، أو دار إجابة ودار دعوة ) على خلاف ما هو مفروض أن تكون الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ..

والأمر يتجاوز فقه الأقليات في بلاد المهجر إلى ظاهرة ملموسة يلمسها كل من يتصل بهذه الجاليات المسلمة ألا وهي حالة الخلافات والتفرقة السائدة بينها على اعتبارات دينية أو مذهبية أو حتى عرقية في بعض الأحيان .. فكثيرا ما نجد أن هذا مسجد موسوم بالتصوف والآخر بالتسلف وثالث بالتشيع .. وهذا ما حد من نشاطهم وتأثيرهم سواء في ميدان الدعوة أو السياسة أو المجتمع بشكل عام

والحديث الديني يشدنا إلى قضية ( أهل الذمة ) في ديننا وكيف تعامل الإسلام والمسلمون مع الأقليات الدينية الأخرى التي عاشت في ظل دولة المسلمين وكنف الإسلام ، ويفتح باب المقارنات واسعا مع المواثيق الدولية ودساتير الدول المعاصرة بل وممارستها .

بقي أن نقول أنه من المؤسف أن لا تحظى هذه الأقليات عموما والمسلمة على وجه الخصوص بالاهتمام سواء من ناحية بحوث ودراسات أو حتى من ناحية الإعلام والسياسة والقانون .. خلافا لما تبذله المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة من خلال أذرعها وهيئاتها المعنية بحقوق الإنسان .. وهذا ما دفعنا لتأسيس مركز متخصص لدراسات الأقليات اختير الخرطوم عاصمة له ومنطلقا .. ومشروع إعلامي يرصد حال الأقليات المسلمة خصوصا اختيرت لندن مقرا له .. ومن الله وحده العون والتوفيق .